أسباب تميز التعليم في اليابان

Post




“العليم بالحشو” كلمة غريبة بالنسبة لك ولكن بالفعل بالنسبة لليبانيين هو احى نظم التعليم حيث ان الجدل الكبير الذي يدور حاليا في اليابان حول نوع من النظم التعليمية وهو ماذكرناه  “التعليم بالحشو” وهو يكون عبارة عن برامج ودورات تعقدها مراكز تعليمية ومدارس خاصة وتعتمد على تكديس أكبر قدر ممكن من المعلومات في عقل الطالب قبل دخوله إلى الامتحانات النهائية المؤهلة للالتحاق بالمرحلة الثانوية والجامعية وتخدم هذه المدارس قرابة 36 ألف طالب في المرحلة الابتدائية في حوالى 84 موقعا داخل البلاد وكانت هذه النوعية من المدارس قد ظهرت لأول مرة في اليابان منذ اربعة عقود تقريبا. وظلت مدارس “بالحشو” تؤدي مهامها دون ان يلتفت احد إلى الدور الخطيرالذي تلعبه في الثورة التعليمية التي تشهدها اليابان حاليا.
ويعكف الخبراءالتربويون والباحثون على دراسة أثر تلك المدراس بعد دخولها كافة المراحل التعليمية.
نظامها ومنهجها
في أي فصل من فصول مدارس الحشو المنتشرة بشكل خاص في العاصمة اليابانية طوكيو يجلس 82 طالبا في فصل واحد ويقضون 72 ساعة في تعلم طريقة الكتابة باللغة اليابانية “طريقة معقدة للغاية حيث تزيد الأحرف المستخدمة فيها عن200 حرف، حيث يمثل كل حرف كلمة أو مفهوماً أو معنى أو صوتاً محدداً” ويحتوي كتاب النصوص الخاص بتلك المادة وهو مصمم خصيصا لنظام التعليم بالحشو على تدريبات صعبة تجعل الطالب في حالة اجتيازها أكثر مهارة من أقرانه في المدارس النظامية.
على سبيل المثال يطلب المدرس من الطالب قراءة النصوص التي يحتوي بعضها على أحرف صعبة لم يسبق له أن رآها من قبل ورغم صعوبة الجرعة وتطلبها لانتباه وتركيز شديدين يسارع الطلاب الجالسون في مقدمة الصف إلى رفع إيديهم والمبادرة بتقديم الأجوبة التي يطرحها المعلم في حين لا يتوقف البعض الآخر عن إلقاء النكات والقفشات التي تنشر في الفصل جوا من المرح والاستثارة. اما المدرسون العاملون في تلك المدارس فإنهم يتلقون دورات تدريبية لمدة عام يتدربون فيها على أساليب ومناهج التعليم بطريقة الحشو ولعل أبرز ما يتدربون عليه، كيفية شد انتباه الطالب من خلال توظيف لغة الجسد وإيماءته للسيطرة على الطلاب وشد انتباههم . وداخل الفصول يعيش الطلاب جوا من الحياة والمرح ويرتفع لديهم الاستعداد للمشاركة في الإجابة على الأسئلة التي لا يتوقف المعلم عن طرحها وبعد انتهاء فترة الراحة التي يتناولون فيها الغداء يعود الطلاب إلى الحصة الثانية في المادة التي يدرسونها وذلك قبل العودة إلى المنزل وقضاء قرابة 12 ساعة في يوم دراسي كامل مشحون ومكثف.
قلق الآباء
يقول رئيس مدرسة “نيكنوكين” ميكيو تاكاجاي والتي تعد المدرسة الرائدة في مجال التعليم بالحشو: لاحظنا زيادة في أعداد الطلاب نتيجة للمخاوف التي تنتاب الآباء من الإصلاحات الجذرية التي تجريها الحكومة على التعليم من وقت لآخر فالآباء الذين يشعرون بعدم الاستقرار في تعليم أطفالهم يحاولون دائما إيجاد حل ما لدعم تعليمهم ونرى من جانبنا انه من الضروري سد هذه الحاجة.
في الوقت نفسه لم تشهد اختبارات القبول التي تؤهل الطلاب للالتحاق بالمدارس الثانوية والمعاهد العليا أي تغييرات تتناسب ورياح التغيير التي تهب على المراحل التعليمية الأخرى وهناك قلق متزايد لدى الآباء ورجال الأعمال والباحثين التربويين من ان يتعرض نظام التعليم في اليابان للتدهور من حيث جودته وقيمته ومستوياته إذا ما وصل الأمر حد التغييرات العشوائية غير المدروسة. وتقول الإحصاءات انه من المتوقع ان يزداد استعداد الآباء للإنفاق بصورة أكبر على الخدمات التعليمية التي تقدمها المؤسسات الخاصة سعيا وراء تحصيل نوعية أفضل من التعليم وتشهد مدارس التعليم بالحشو ازدهارا اقتصاديا ورواجا تجاريا رغم انه لايرقى لمستوى الازدهار الذي شهدته في عقود الثمانينيات من القرن الماضي “زاد عدد مدارس الحشو عن 50 ألف مدرسة في ذلك الوقت” الا أن التقديرات الحاليةتقول إن إجمالي الاستثمارات في تلك الصناعة وصل إلى 12 مليار دولار.
مع أم ضد
ومع كل، تتنوع الآراء بشأن قيمة هذا النوع من التعليم. كثيرون وخصوصا الآباء يرون أنه صار جزءا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والتعليمية اليابانية ولعل السبب في انتشار تلك المدارس أن حملاتها التسويقية تلعب على وتر المخاوف التي تنتاب الآباء من المستقبل التعليمي لآبنائهم وبالذات من ناحية المناهج المطبقة في المدارس الرسمية التي يرون انها لا تحقق المستوى المرجو الذي يؤهل الطالب للالتحاق بالجامعة أو اكتساب المهارات والمعارف التي يزيد الطلب عليها في أسواق العمل.
على الطرف المقابل يرى جناح المنتقدين أن هذه المدارس تتسبب في العديد من المشاكل النفسية للطلاب منها زيادة الضغوط النفسية والعصبية بسبب كثرة الامتحانات التي يخوضها الطالب أسبوعيا وارتفاع معدلات الانتحار لدى الطلاب في حالة الفشل فضلا عن ارتفاع موجات العنف في المدارس الثانوية كل هذ إضافة إلى أنها تقوض الدور الحيوي الذي تلعبه المدارس النظامية الرسمية، كما ترى وزارة التعليم اليابانية ان مدارس التعليم بالحشو تمثل تهديدا خطيرا للنظام التعليمي الرسمي في البلاد الامر الذي دفع المسؤولين في السنوات الأخيرة إلى محاولة الحد من أعدادها أو التخلص منها برمتها ولكن طبقا للقوانين الاقتصادية والتجارية وباعتبارها من المؤسسات الخاصة تطرح كبرى هذه المدارس اسهمها في سوق البورصات اليابانية ومن ثم فإنها لا تخضع بأي شكل من الأشكال لقوانين التعليم أو القواعد التي يضعها مسؤولو التعليم لكن رغم حدة الانتقادات التي توجه إليها من وقت لآخر اعترفت وزارة التعليم مؤخرا بالدور الحيوي الذي تلعبه تلك المدارس في تحقيق انجازات أكاديمية عالية للطلاب اليابانيين.
خوف من المستقبل
رغم ازدهار مدارس التعليم بالحشو ورواجها على المستوى التجاري يشعررئيس أكبر مدرسة خاصة في اليابان بالقلق من عدم قدرة تلك المدارس مستقبلا على مواكبة التطورات الجذرية التي يمر بها النظام التعليمي الرسمي في اليابان ويقول “تاكاجي” رئيس مدرسة “نيكنوكين” : “الأمر لا يخلو من التحدي عندما نحاول تلبية الاحتياجات الفردية للطلاب لكننا لا نعمل بمبدأ مطاعم الوجبات السريعة حيث كلما زاد الزبائن كان أفضل فهناك اعتبارات اخرى أكثر جدية وأهمية من مجرد الكسب المادي السريع“.





Leave a Reply