لماذا تفوقت كوريا الجنوبية في مجال التعليم

Post




عندما كنت اقوم التادريس الاقتصاد باللغة العربية للأجانب في الجامعة الامريكية عام 1978 كان من احدى تلاميذي في الفصل وهو طالب من كوريا الجنوبية ولكن كانت تبدو عليه أمارات الذكاء والمستقبل والنضوج.‏

, أي باختصار طالب واعد مجتهد بشكل غير عادي له طموح كبير ومستقبل أكبر ينتظره, هذا الطالب اسمه هان كيودوك وحصل في نهاية الفصل الدراسي علي درجة الامتياز كان يجيد اللغة العربية بشكل مثير كما أنه كان يكتب فيما يسند إليه من واجبات وتقارير وملخصات علي نحو يكاد يكون قد استخدم مطبعة في كتابتها.
سألت ذلك الشاب الطالب عن الفرق بين الكوريتين فأخذ قطعة طباشير ورسم مستطيلا علي السبورة قسمه نصفين, الأعلي هو الشمالية, حيث كل الثروة والارض والامكانيات والجزء السفلي هو كوريا الجنوبية, حيث لا تمتلك الا الانسان ومن هنا أدركت أهمية التنمية البشرية والاستثمار في البشر بالتعليم والتدريب.
وطلب مني الشاب الطالب الواعد مساعدته في تسجيل رسالة دكتوراه في الاقتصاد بجامعة القاهرة واتصلت بأستاذنا العظيم العميد المؤسس لكلية الاقتصاد الدكتور محمد زكي شافعي رحمه الله والذي كان لايقبل طالبا في الدراسات العليا الا بعد ان يعصره علميا حتي يتأكد من مقدرته وكفاءته وكان يقول لنا: ياولاد الدكتوراه دي زي خاتم الالماظ.. مش أي حد يلبسه. وتحدثت معه بشأن الطالب الكوري وكفاءته وطلب مقابلته واجري إختبارا له وقبله طالبا للدكتوراه ومشرفا عليه في رسالة عنوانها: دراسة مقارنة عن التنمية الصناعية في كوريا الجنوبية ومصر بين عامي1952 ـ1975 وقد خلص في هذه الرسالة إلي ان الاقتصاد المصري في تلك الفترة يساوي عشرين مرة الاقتصاد الكوري الجنوبي.. أي انه متقدم عن كوريا الجنوبية.فما الذي حدث لنا؟ وما الذي حدث لنظامنا التعليمي الذي يعج بالحديث عنه وعن أزمة التعليم ووسائل العلاج, وامتلأت الكتب والمذكرات والبحوث والدراسات بالاهتمام بقضية التعليم ومؤتمراتها دون جدوي؟
ما الذي حدث حتي أن تفوق مصر تحول الي تخلف عن كوريا الجنوبية التي كنا نسبقها؟.. الاجابة باختصار هي التعليم والتدريب حيث عمدت كوريا الجنوبية إلي نظام تعليمي صارم غربي وتدريب, الفرد علي خمسة حرف معا, وبإجادة وليس طسلقة, والعمل داخل منظومة ادارية صارمة حازمة تشبه النظم المعمول بها في الجيوش وهذا هو مفتاح تقدم كوريا الجنوبية.
تعالوا نبحث ونفتش معا عن أسرار العملية التعليمية في كوريا الجنوبية وهي سر تقدمها وتقدم كل دول جنوب شرق آسيا, ومعي بحث متميز كتبه الدكتور يوسف عبد الفتاح الاستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة الذي قضي بضع سنوات هناك للتدريس في جامعة هانكوك حيث تصنف كوريا الجنوبية العاشرة بين أغني دول العالم, بعد أن صنفت كواحدة من أفقر ثلاث دول في آسيا في منتصف القرن الماضي, فكوريا ذات الموارد الطبيعية القليلة, والكثافة السكانية العالية, نظرت الي التعليم علي انه المفتاح الوحيد للنجاح في الحاضر والمستقبل, واستثمرت في الموارد البشرية باعتبارها أهم عنصر من عناصر الاستثمار, وقد حققت بفضل هذه الرؤية الاستراتيجية العميقة نجاحا هائلا, وأدرك المجتمع الكوري أهمية التعليم باعتباره الوسيلة الأفضل لتحقيق الطموح والارتقاء الاجتماعي, ويشارك في العملية التعليمية ثلث السكان, والتعليم هو المؤسسة الأولي.
وقد لاحظ أن التعليم مسئولية الجميع لا تنفرد به المدرسة أو الكلية أو الجامعة وحدها وإنما, الكل مشارك فيه باعتباره واجبا وطنيا وتشارك المؤسسات العامة والشركات الخاصة والقطاعات الاعلامية في تحمل هذه المسئولية, وهناك وزارة واحدة للتعليم العام والجامعي تسمي وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية التي تربط التعليم بالاستثمار في الانسان وسوق العمل وفق جودة في البيئة التعليمية والبني التحتية وهناك برنامج تدريبي خاص للمعلمين أثناء الاجازات واختبار للمعلم قبل التدريس وفي العطلات تفتح المدارس للأنشطة الاضافية مثل الرياضة والموسيقي ولكل مؤسسة تعليمية شعار ولكل مدرسة شعار ولكل فصل شعار وتعمل جاهدة علي تحقيقه ولكل طالب ابتداء من الصف الثاني الابتدائي حصة رسمية للنقاش والحوار ويهتم الكوريون باللغة الانجليزية كثيرا ويبدأ اليوم المدرسي في الثامنة والنصف صباحا وحتي الرابعة أو الخامسة ويتولي الطلاب مسئولية نظافة المدرسة عدا الحمامات التي تتولاها شركات متخصصة, وفي الثانوي هناك مدارس ثانوية متخصصة للطلاب الموهوبين حيث توجد ثانويات اللغات الأجنبية وثانويات الفنون وثانويات العلوم.وأمام كل هذه الانجازات تخطيط دقيق مبني علي رؤية واضحة تنفذ بكل إصرار وتحد بعقول كورية مبتكرة وليست ناقلة.والغريب أن نظام التعليم العام والجامعي في كوريا لا يختلف كثيرا عن مصر, ولكن هناك مجموعة من الاختلافات الجوهرية منها:
> القيم التربوية التي تحملها المؤسسات التعليمية والمدارس, فالصدق والاخلاص والابداع قواسم ثلاثة لكل مؤسسة مسئولة عن التعليم بشكل مباشر أو غير مباشر.
> التعليم مسئولية الجميع.
> بناء المفاهيم, فمفهوم الهدف, والشعار, والقيم, يتعامل معها الطالب من المرحلة الابتدائية فتتأصل في نفسه.
> العناية بالطلاب الموهوبين قبل المرحلة الثانوية, وتخصيص ثانويات متخصصة في العلوم والرياضيات والفنون يتجه اليها هؤلاء الطلاب.
> التكامل بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الخاصة الداعمة, التي تقوم بتوفير منح تعليمية وتقوم بتدريب الطلاب وتوفير فرص العمل اللازمة لهم بعد ذلك.
> النظرة الشاملة للاستثمار في الانسان, باعتباره هو الاستثمار الحقيقي الذي يحقق التطوير, والتركيز عليه من بداية تعليمه, وإعداده الاعداد الجيد للحياة العملية, وتوفير فرص العمل له, ليكون مواطنا صالحا يستفاد منه في بناء التنمية وتحقيق التطوير المنشود.
> التخطيط والتركيز علي هدف معين يعمل الجميع بجد لتحقيقه, وفق خطط مدروسة ومحددة زمنيا.
> القناعة بأهمية التعليم والتركيز عليه, وإذا كانت القناعات أعمق فإن الدعم والبذل علي التعليم من كل المسئولين سيكون أكبر.
وختاما هل عرفنا الآن لماذا تفوقت كوريا الجنوبية؟ التعليم هو مفتاح التقدم وهو أيضا سبب التخلف




 




Leave a Reply